جريمة القطار السيبيري العظيم


الخاتمة

الخامس من أكتوبر ، 2019

أول  مهمة أتممتها حين وصولنا إلى موسكو بالأمس كانت إيصال رن إلى فندق الهيلتون حيث حجز لنفسه حجرة قبل بضع شهور. تضمن دليل رن مسارًا مدروسًا من المحطة إلى الفندق ، إلا أن برنامجه الداخلي توقف عن العمل حين اكتشف أن الطرق حول محطة ياروسلافسكي تغيرت بسبب أعمال الحفريات. اضطررت هكذا إلى مرافقته نحو فندقه ، محاولًا تجاهل سؤال فتاة الاستقبال  لي ما إن كنت ضائعًا على رؤية منظري الدخيل بحقيبة ظهري العملاقة في بهو الفندق البرجوازي. 

نزلي ، على عكس فندق رن ، كان الأرخص في موسكو على الإطلاق ، و لكنه كان الوحيد المتوافر تلك الليلة لذا حاولت تقليص وقت بقائي فيه قدر الإمكان عبر اللحاق برفاقي في ساحة موسكو الحمراء مباشرة بعد رمي حقيبتي في النزل. لسعدي كانت موسكو وقتها في منتصف احتفال سنوي للحصاد سموه ذاك العام بـ”موسم موسكو” ، و كان في الساحة الحمراء ذاتها ما يفوق كل ما في موسكو  من الاحتفالات . 

أنا – بسلامتي – في الساخة الحمراء

خلال تجوالنا جميعًا في الساحة الحمراء بجانب الكريملن ، قصر الحكم الروسي ، تناقشت مع يونتشن بدء مسيرتي كلص صائد للكنوز عبر سرقة نجوم الكريملن العملاقة المصنوعة من الذهب و الياقوت ، بينما تقهقر كينتشاو و رن هامسين  خلفنا بخفوت. و على العشاء تلك الليلة ، أعلن رن و كينتشاو أنهما ينويان استقلال القطار من بكين إلى عاصمة كوريا الشمالية العام القادم معًا. رغم كوني أعظم محقق شرقي في تاريخ القطار السيبيري ، إلا أن حاسة الشم عندي ليست فريدة من نوعها ، و لولاها و لولا وجهة زيارتهما لزعمت أنني شممت رائحة الحب على ذلك العشاء. 

أما اليوم فمررت اليوم مرة أخرى و أخيرة بمحطة ياروسلافسكي ، و شاهدت قطارنا يغادر المنصة حيث تركناه و قد استبدل ثلاثي المحصلين في قاطرتنا بثلاثي أخر بدا مشابهًا لهم في الإجرام و إن عجزت عن التحقق من نهاية محصلينا بعد أحداث الأمس. القطار السيبيري أعتق و أعظم من أي عصابة روسية من صغار المهربين ، و سيواصل المسير على جدوله أبد الأبدين بلا تأخير أو تباطئ سوا بضع دقائق لا تهم أحدًا ما عدا رن. 

سماء محطة ياروسلافسكي الرمادية

قارب وقتي في موسكو على الانتهاء أبكر مما توقعت ، فقد ناداني دعاء الواجب في دولة أخرى و وجب علي كمحقق مخلص تلبية النداء. أترك موسكو و القطار السيبيري ورائي بالكثير من الأسئلة و علامات الاستفهام   ، معظمها يصعب  حلها في خاتمة تكتب بعد نهاية  الحكاية بيوم لا أكثر. متى و هل ستقترف جدة عائلة الهي جريمتها النكراء يا ترى؟ هل ستطهر عذوبة مياه بحيرة بيقال روح جيمس و ترده إلى سواء السبيل؟ أسينجح أليكس في تقديم وجبة واحدة كما طلبها الزبون خلال فترة عمله على القطار السيبيري؟ و الأهم من هذا كله ، ما هي طبيعة و هدف مهمة رن الجاسوسية في روسيا؟ تلك كلها أسئلة مهمة تستحق الإجابة ، و لكنها كذلك قضايًا أترك مهمة حلها لغيري من المحققين. 

دُم سَعدًا ، بإخلاص:

عمر الصغير

موسكو ، روسيا

فكرتان اثنتان على ”جريمة القطار السيبيري العظيم

  1. للتو أنهيت هذه التدوينة الرسائلية أو التدوينات إن صح التعبير وفضلت التعليق في لحظتها لحضور المعنى..
    عندما تكون الرحلة في المركبة لا الوجهة سيكون الأمر مختلفًا كما هو هنا.
    قرأتها على فترات متقطعة فوجدت الكثير من المعرفة والزخم الثقافي والتاريخي والأدبي والمحصّل اللغوي فضلًا عن انفراط الكثير من الضحك القلبي. أحببت مزج المعلومة بواقعيّة التوثيق اليومي ونكهة التشويق البوليسي . هذا الطابع المتمازج جدير بالإشادة كونه حرّك فضولي للرجوع للخريطة والمعجم اللغوي وأسماء بعض المدن وقادني للترويح والفكاهة اللطيفة. أرى بأن تدوين هذه التفاصيل متعة لكاتبها وقارئها معًا، كما ستكون مرجعًا للمهتمّين.
    شكرًا على هذه التذكرة المجانية لقطار K19 التي قلّتنا على متنه وأوردتنا تفاصيله وتفاصيل ركّابه التي لم تكن لتغدو بهذا القالب لولا شفرتك الخاصّة في التدوين. دمتَ مُدوّن شغوف.

    إعجاب

  2. جريمة القطار السيبيري العظيم، تقرأ العنوان للمرة الأولى مشددًا على الجريمة العظيمة، وبلا أي أحكام مسبقة أو تصورات فتخالها ليست أكثر من قصة خيالية كُتبت لتطويع جموح ساعات الملل على متن القطار أو انتهازًا للدهشة حال أخواتها من القصص على وجه العموم..
    إلا أن المعنى كان أجزل، أي نباهة إنشائية قادرة على تحوير حدث قد لايعدو كونه حدث عَرَضي مساند للحبكة
    إلى حدث رئيسي؟
    استمتعت كثيرًا، و نسبة كبيرة من هذه المتعة تعود لكون الشخوص مرئية “حية لا مختلقة” على نقيض بقية القصص إلا أن هذا لم يمنعني من تخيل حركاتهم وسماع جلبة القطار متزامنة مع صخب/بطء أحاديثهم حسب شدة الضوء الأخضر للأحداث…
    رائعة جدًا لا لكونها بديعة كمادة قراءة فقط بل لقدرتها على تجاوز زخم الاعتيادية كصور ولحظات حاضرة بالذهن كذلك …
    في انتظار المزيد من الرسائل..

    إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s