حدثني عن خيبة الأمل.
في شتاء 2017 كنت في رحلة قطعت فيها القارة الأمريكية براً مع بعض من رفاقي ، و انتصفت بنا الرحلة في جبل رشمور الشهير في آخر الليل. بعد أن غادرنا – مجبرين – جبل رشمور انحدرنا إلى محطة للتزود بالوقود و المؤونة. و لما لم تحوي المحطة سوا حمام واحد في بقالتها ، كان علينا الاصطفاف و تضييع الوقت بأي شكل كان. شد منظر مجموعتنا الصغيرة المحاسب الذي يمضي يومه عادة في تنظيف خبز الهمبرغر من حبوب السمسم ، أو في فعل أياً كان المرادف الأمريكي لتقطيع البصل و تكحيل السلق. بعد تبادل جمل التعارف السريعة عرف أننا متوجهون إلى نيويورك و أعلن أنه كان من سكانها ، و إن نشأ و ترعرع في بيتسبورغ فاستغلينا الفرصة لسؤال ساكن محلي عما تجب زيارته في نيويورك. حك صاحبنا ذقنه المرداء ثم قال أن بجعبته ما تعجز كل متاجر نيويورك عن تقديمه ، و هو مطعم شطائر لم يغلق أبوابه و لا لساعة واحدة من خمسين سنة. و على حسب وصفه ، فجودة هذه الشطائر هي الشيء الوحيد الذي ربط جأش سكان بيتسبورغ و حفظ عقولهم خلال مرحلة الركود الإقتصادي و الحرب العالمية الأولى و الثانية و حتى العصر الجليدي. و رغم أن وصفه كان يعبق بالمغالطات التاريخية و لكن حماسه الجياش أقنعنا بتحويل مسارنا إلى نيويورك لا لسبب إلا للمرور بهذا المحل.

و هكذا قطعنا خمسة ولايات قاصدين تلك الشطائر ، و وصلنا إلى بيتسبورغ بعد يومين بعد منتصف الليل لنجد المطعم مفتوحاً كما وعد صاحبنا ، و هذه أول باشرة خير بصدق كلامه. و قد كانت الأخيرة.

لابد أني أصبت بعدد من الكسور و الرضوض ذلك اليوم جراء السقوط من سقف التوقعات إلى وادي خيبة الأمل و الأحلام الميتة. فكل شطائرهم بلا استثناء فيها عدة طبقات من البطاطا المقلية ، و هذا الطعم الوحيد الذي تتذوقه. و هي بطاطا بائسة يابسة يائسة تملئ مخيلتك بصور المجاعات و الحروب و لا تمت لصلة بشطائر بطاطا بوفيه الأستاذ علي. أما الخبز فمصيبة ثانية ، يوافق مذاقه و شكله أخر كيس شطائر يباع في بقالة حارتكم قبل ساعتين من انتهاء صلاحيته ، إن نقعته في الماء ثم تركته في الشمس ثلاثة أيام ليجف بعد شراءه. و فوق هذا و ذاك ، تفنن الطاهي بوضع طبقة من سلطة الملفوف بين كل طبقتي بطاطس ، و هي سلطة أفتخر صاحبنا سابق الذكر بكونها “خالية من المايونيز” و ليتها فعلت ، فذاك كان سيضيف شيئاً من الطعم لها غير طعم دموعنا التي ساعدت على تليين الشطائر لتصبح قابلة للعض دون التضحية بسن أو اثنين.
و كان أخر الأمر أنا غادرنا المطعم بأحزاننا و أنا أتمتم بما قالت ريم البنا لمشعل ، و أقصد المحاسب عند جبل رشمور: “و الله لو مسكتك ما يفكك مارد ، و لا يفكك غير الرب العالي!”