
اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر ، و كآبة المنظر ، و سوء المنقلب
ولا أجد بين العرب كثرة حديث عن كآبة السفر ، إما لإنعدامها بينهم أو لاستئصال تشبثهم بصورة من استمتع في سفره ، أو حتى كراهية للحديث عن نقطة الخل في جرة العسل.
أقول في هذا ، أن كآبة السفر تأتي بلا مقدمات ، و ترحل دونما وداع ، و يزيد وجعها وجعاً الشعور بذنب كفر النعمة ، و كأن استغلال كل لحظة من ترحالك واجب قد فرطت به. و تزيدك الكآبة ذنباً و الذنب كآبةً حتى يخيل لك قول الطغرائي في لاميته:
فيم الإقامة بالزوراء لا سكني
بها لا ناقتي فيها و لا جملي
طال اغترابي حتى حن راحلتي
و رحلها و قرا العسالة الذبل
و ضج من لغب نضوى و عج لما
ألقى ركابي و لج الركب في عملي
فما بك من ضيق و انغلاق صدر لم يسببه ضيق مطية أو خشونة فراش ، و لا يسعفه طيب طعام و لا حسن ضيافة. لأن منبع حزنك الحنين لبلدك و كل ما تألفه و تعتاده ، و لأيام تمضيها بلا تفكير أو تخطيط ، و بلا طرد لنفسك من راحتها لتقابل وجوهاً و مناطق جديدة. و على هذا تزيد ضيقاً لا تعرف له معنى ولا سبباً و لكنه هنا لأن سفرك قد طال ، و إن لم تبغ الرحيل.
عند ذا ، يبدو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلى من جمال البلد الذي شددت إليه الرحال ، في حديث الطبراني حين قال “السفر قطعة من العذاب ، لا يهنأ أحدكم بنومه ولا طعامه ولا شرابه”. و لحياتي لم أجد له علاجاً ناجعاً سوا انتشالك إياك من خضم فكرك بترتيل أو شدو أو ما شابه ، أو لزوم حجرك و كتابك و فنجالك حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً. فإن خذلك ذا و ذاك فلا شفاء لك إلا في حديث ابن عمر عند أبي عدي: “و أنه ليس له دواء إلا سرعة السير”.
على نهاية مكوثي في بوسان في كوريا الجنوبية ، و قبل قطع المسافة منها إلى سيول على دراجتي ، كنت قد استنفذت كل حلولي و قررت أن أتبع نهج ابن عمر مسلكاً إلى سيول.