إيهاب و حيتان و أشياء أخرى

لفضت كل محاولاتي السابقة لبدء مدونة أول و أخر أنفاسها في مهدها كفكرة لا أكثر لما أضعت من الوقت محاولاً اختيار أو اختلاق التدوينة الأولى. أقنع نفسي كل مرة أن التدوينة الأولى تحدد اتجاه المسير ، و لذا عليها ألا تقل جودة عن الملحمة التي عشعش طيفها أفكار هيرمان ميلفل حين كان يمضي أيامه و لياليه في كتابة المسودة الأولى لرواية (موبي ديك) صارخاً و عيناه تبصقان الشرار و النار حماسةً أن “أعطوني فوهة بركان (فيزوف) لأستعملها كمحبرة!!”. و لكن الرواية – على عكس تدوينتي – لم يحد مضمونها بما يلائم تدوينة أولى من المواضيع ، و لذا – طبعاً – أنهى هيرمان روايته و بقيت أنا بلا مدونة أو تدوينة.

لذا أحاول الآن إقناع نفسي بأن المدونة إن طالت لتصبح مشروعاً ذا فحوى فلن يرهق أحد إصبعه بدحرجة كرة الفأرة أو شاشة هاتفه ليصل إلى هذه التدوينة ، أما إن لم يطل المشروع فلن يكون للتدوينة الأولى مغزى على كل حال. الطريقة المثلى للبداية هي ترك (بركان فيزوف) و حيتان المحيط الأطلسي و شأنها و الابتداء بشكل أكثر تواضعاً.

لذا بسم الله الرحمن الرحيم نبدأ: أنا عمر الصغيّر ، عشريني أتأرجح بين الجدية و عدمها ثلاث مرات في اليوم ، أكتب هذه الحروف من على كرسي هو أحد المقتنيات الغامضة التي تظهر في منزلك يوماً دون أن يشتريها أحد و تضل هناك حتى يرثها أحفادك مع المنزل أو تختفي لتظهر في منزل آخر على الأرجح.

الزمان الآن هو الأيام الأخيرة من الصيف. يسمي أهالونا أخر أيام الشتاء بأيام “بياع الخبل عباته” كناية عن أن غير العليم سيسارع إلى بيع معطفه معتقداً بأن برودة الشتاء قد انتهت و أزالت الحاجة له ، و في خبايا هذا التعبير دلالات على ما عاشه أهالونا من فقر تجعل بيع ثياب كل موسم على نهايته ضرورة حياتيه ، إذ أن موطن الإعتراض في ذاك المثل هو وقت البيع لا فعله. عموماً ، و على ذلك السياق ، أدعو من على منبري هذا لتسمية أيام الصيف الأخيرة هذه بأيام “كشتات الغشيم” ، و اللفظ يشرح نفسه. أما المكان فيمكن استنباطه من سياقنا هذا.

بهذا أختم و به استهللت ، و ربّ يسّر و أعن.





اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s